الاثنين، 24 نوفمبر 2008

حظر النشر.. العدالة تتراجع أمام الفساد



بقلم: أسامة رشدي
في تطور خطير لقضية مقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم قررت محكمة جنايات جنوب القاهرة التي تنظر القضية حظر نشر أي شيئ عن القضية في كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية أو اي وسيلة نشر أخرى، وذلك بعدما ضج النظام خلال الأيام الأخيرة من الاهتمام الإعلامي والشعبي بالقضية، وبما وراء هذه القضية من قصص وعقود وصفقات تعكس الوضع الحقيقي للنخبة الحاكمة وللدولة التي تسلط عليها بعض أقطاب المال والفساد فاستغلوا مناصبهم وقربهم من الأسرة الحاكمة أسوأ استغلال، لم ينته عند حدود التربح وجني المليارات بل وصل الأمر لحد ارتكاب الجرائم وإراقة الدماء وتدبير مؤامرات القتل في خارج البلاد متسلحين بسطوة المال والنفوذ.لم يتحمل النظام المزيد من كشف وقائع الفساد، بعد نشر عقد تخصيص 8000 فدان لهشام طلعت مصطفى الخاصة بمشروع "مدينتي" وخاصة وأن القضية تتجه شيئا فشيئا لطرح أسماء كبيرة والتفتيش عن تداخلات خطيرة بوقائع القضية وبفترة إقامة سوزان تميم في القاهرة وحضورها شخصيا لعدد من اللقاءات والزيارات مع السيد جمال مبارك نفسه الذي كان يزور هشام في منزله الذي تعيش فيه معه سوزان تميم، وقد حضرت بنفسها وقائع الاتفاق على صفقة أراضي مشروع "مدينتي" وكانت لدى سوزان تميم معلومات كثيرة كانت تهدد هشام بفضحها في وسائل الإعلام بعد مطاردات هشام وتهديداته لها.لقد كان أملنا كبير في المستشار الذي يرأس هذه المحاكمة وما عرف عنه من سيرة حسنة، أن يقدر أن الشعب يريد أن يبقى مطلعا على الحقائق والمعلومات، ولا يريد محاكمة غير علنية تجري وقائعها خلف الأبواب المغلقة والستائر الحديدية في ظل إرهاب الصحافة والإعلام بسيف القوانين والمحاكم والمصادرات، ولكن يبدو أن الضغوط عليه لا تحتمل.كنا نتوقع أن تقدم المحكمة على تنظيم الحضور الإعلامي للصحفيين بما يتناسب مع حجم القاعة ولا تلغيه، رغم أن هذه المحاكمة كانت تستحق من وزارة العدل أن تنقل لقاعة أكبر في مدينة نصر أسوة بما كان يجري في قضايا أخرى أقل أهمية منها، أما أن يجري طرد الصحفيين ووسائل الإعلام من قاعة المحكمة وحظر النشر عن القضية، فهو أمر خطير يفتح الباب على مصراعيه لكل أنواع التشكيك في نزاهة ومجريات هذه المحاكمة.اهتمام الرأي العام بهذه القضية هو اهتمام طبيعي حيث اجتمعت فيها كل عناصر الإثارة المعروفة كالثروة والسلطة والنساء والمطاردات والقتل، وهذا يقع في كل بلاد العالم في بعض القضايا الكبرى، ولم يكن أبدا مبررا في هذه البلاد لاستبعاد الإعلام والتعتيم على الرأي العام لأن الأصل في إجراءات المحاكمة هو العلنية.ودعونا نتذكر واقعة فضيحة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون مع مونيكا لوينسكي والتي انتهت لطلب محاكمته أمام مجلس الشيوخ، والدور الذي قامت به الصحافة في نشر وقائع القضية والأشرطة الهاتفية المسجلة رغم أنها لم تسجل بشكل قانوني، وكانت تمس أدق تفاصيل الحياة الخاصة لبيل كلينتون، على الرغم أن القضية لم تنطوي على جريمة جنائية، بل كانت تتعلق بإثبات كذب الرئيس بإفادته عند استجوابه تحت القسم فيما يتعلق بعلاقته بمونيكا، وهو ما اعتبر جريمة استدعت المطالبات بمحاكمته وطلب عزله، ومع ذلك لم يستطع رئيس الولايات المتحدة نفسه أن يوقف الصحافة والاهتمام الإعلامي والشعبي بالقضية.. أما عندنا فأسهل شيء هو حظر النشر وتجهيل الشعب وتقديم مصالح النخبة على مصلحة الوطن.وبغض النظر عن التمثيلية التي جرى بها إخراج استصدار هذا القرار بعد شكوى مفاجئة لمحامي هشام طلعت مصطفى فريد الديب من وجود كتب في السوق قدم منها كتابان للمحكمة، ثم قاطع محامي ثاني وهو رأفت عزيز الذي لا نعرف من يمثل في القضية شاهد الإثبات بزعم أن لديه معلومات هامة وقدم كتابا ثالثا للمحكمة من تأليف المحامي سمير الششتاوي الذي لم يعد طرفا في القضية هو الآخر بعد أن تحول فجأة من محامي مدعي بالحق المدني عن عبد الستار تميم إلى مدعي بالحق المدني عن نفسه، وزعم تأليفه لكتاب بعنوان "براءة هشام من دم سوزان"، وكانت النيابة جاهزة بطلب حظر النشر لمنع التأثير على المحاكمة، وفجأة رفعت الجلسة للمداولة ثم عادت بعد 45 دقيقة لتصدر القرار المتشدد بحظر النشر وطرد الصحفيين، في خلط واضح بين بعض مخالفات النشر –إن ثبتت- وبين علانية المحاكمة وحق الرأي العام في الحصول على المعلومات.وقد صدع رؤوسنا البعض خلال الأيام الماضية بزعم أن طلبات الدفاع عن المدعين بالحق المدني فيها تسييس للقضية؟ولا ندري من هو الذي سيس القضية؟ألم يستغل هشام طلعت مصطفى نفوذه السياسي والمالي في ارتكاب الوقائع المنسوبة إليه؟ألم يقل محسن السكري للشاهد الأول ضابط الانتربول الذي قبض عليه وحقق معه أنه قتل سوزان بأوامر من شخصيات مهمة .. وكأنه يريد أن يقول له لا تتعب نفسك فهناك أوامر عليا بارتكاب الجريمة وأنه لاسبيل للنيل مني لأنني أعمل لحساب الكبار.أليس المناخ السائد في مصر هو الذي سمح بتضخم هؤلاء واستعلائهم وتجبرهم في الأرض؟أليس هشام طلعت مصطفى هو الذي ترك شركاته وأعماله وفرغ معظم وقته لمطاردة ضحيته وتعقبها وتهديدها هي وعائلتها وإرسال عيونه خلفها في كل مكان بعد أن أنفق عليها ثم على تعقبها ثم قتلها الملايين من الدولارات التي تحصل عليها بفضل الأراضي التي حصل عليها بشروط لا يحلم بها رجل أعمال في العالم أجمع؟المدعون بالحق المدني لم يسيسوا القضية، بل سيسها المتهم الرئيسي بتصرفاته، وتصرفات النظام الذي سمح بالخلط بين السلطة والثروة.وكان نشر وقائع المحاكمة يمكن أن يكون رادعا لهذه الفئة الجديدة التي استطالت على الناس بما جمعته من مال ونفوذ، ولكن هذه الفئة باتت تثبت دائما أنها الأقوى وأنها من ستقول الكلمة الأخيرة في النهاية.قرار المحكمة اليوم هو انتكاسة حقيقية للحريات في مصر، واعتداء صارخ على حق الرأي العام في المعلومات وفي المعرفة هو حق أساسي ما كان ينبغي النيل منه والانتقاص من شأنه تحت أي دعاوى واهية لا تصب في النهاية إلى في حماية الفساد وتشكيك الناس في هذه العدالة التي تهدف للتعتيم على الحقيقة.

خلى بالك أنا عارف كل شيئ عنك يا حلو صح

Sign by اللول الحضراوي - Get Your Free Sign