الجمعة، 28 نوفمبر 2008

حمادة يلعب .. فى بيع أصول مصر!

بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى:
==================
الشرط الرئيسى لأى برنامج خصخصة أن يكون بتفويض من الشعب مالك الأصول فى مناخ ديمقراطى يضمن الشفافية، فالمعادلة بسيطة جداً: خصخصة – ديمقراطية وشفافية = فساداً وعبثاً مؤكداً .. أما إذا غاب الشعب عن صنع القرار والمحاسبة على تنفيذه، فكل شئٍ بعد ذلك جائز .. ولا عجب عندئذٍ إذا تم تسليم وطنٍ بأكمله لشابٍ ليس له صفة ومجموعة من أصدقائه ليتسلوا ويمارسوا ألعابهم .. ولا غرابة بعدئذٍ إذا تم اختراع أشياء افتراضية لهم لتسخين اللعب: شئ كأنه الحزب الذى يبايع، ينبثق منه شئٌ كأنه الأمانة التى ترسم السياسات، مع شئٍ كأنه الإعلام الذى يناقش ويحلل، فى مواجهة شئٍ كأنه البرلمان الذى يحاسب .. بينما الحقيقة أنها كلها مجرد ديكورات أو ورق حائط للغرفة التى يمارسون فيها ألعابهم .. وما دامت الشلَة لا تُسألُ عما تفعل والأمر كله لعبٌ فى لعب فمن الطبيعى أن يكون آخر الألعاب هو ذلك المشروع الهزلى الذى أطلقوا عليه مجموعة من الأسماء الكبيرة مثل "القرار هو قرار المواطن" و "إصلاح برنامج الإصلاح" و "البرنامج المصرى لإدارة الأصول" و "الكفاءة الاقتصادية وتوسيع المشاركة الشعبية" إلى آخر القائمة، بينما عنوانه الحقيقى كما سيتضح بعد عدة سطور هو "بيع جميع شركات قطاع الأعمال المتبقية فى عامين ونصف" ..
لا عجب فى كل ذلك ولكننى أتعجب كل العجب من حسن ظن البعض بالحدأة وكتاكيتها، واعتقادهم أن فى المشروع بعض الخير ومطالبتهم بطرحه للحوار .. حوار مع من؟! إن مطالعة أسماء الذين اخترعوا لنا هذه اللعبة الجديدة تلخص كل شئ .. إنهم ببساطة نفس المجموعة الضيقة من المحيطين بجمال مبارك .. ليس فيهم خبير اقتصادى واحد ممن يحترمهم المصريون ويثقون فيهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار كجلال أحمد أمين أو جودة عبد الخالق أو حاتم القرنشاوى أو حازم الببلاوى أو أحمد النجار أو إبراهيم العيسوى أو على السلمى أو طارق حجى على سبيل المثال، وإنما معظمهم من رجال الأعمال وأصحاب التوكيلات والسماسرة ذوى المصلحة الخاصة جداً بالإضافة لبعض الأكاديميين الطامعين أو الطامحين أو المطبَلين .. وتغيَب عنهم هذه المرة كلٌ من هشام طلعت مصطفى وممدوح إسماعيل بجسديهما لظروفهما الخاصة .. ولا أدرى كيف تصور البعض أن من قادوا عمليات بيع أصول الشعب للأجانب فى الماضى القريب يمكن أن يقودوا عملية رد الأصول للشعب فى الحاضر الكئيب .. إن مقاول الهدم يختلف بالضرورة عن مقاول البناء.
بعد هذه المقدمة التى طالت تعالوا لشرحٍ مبسط لهذا المشروع .. المشروع الجديد ببساطة هو التخلص من شركات قطاع الأعمال العام المتبقية (153 شركة) بحلول منتصف عام 2011 (وهو تاريخ ذو مغزى) ويتوقع أن يتم على أربع مراحل رئيسية:
المرحلة الأولى: وهى التى تستأثر بكل التشويش الإعلامى حالياً للتغطية على المراحل التالية، ومدة هذه المرحلة أقل من عام تتوقف فيها الدولة مؤقتاً عن بيع الشركات وتقتطع نسبةً من أسهمها تحددها هى (تتراوح بين 33% إلى 70%)، وتجمعها ثم تقسمها على عدد المصريين فوق 21 سنة وتعطى لكلٍ منهم صكاً ورقياً (أو ممغنطاً) بنصيبه على المشاع يستطيع أن يبيعه لمن يريد أياً كانت جنسيته بمجرد تسجيله فى البورصة وتكون الحكومة قد أبرأت ذمتها تجاه الشعب وكسرت عينه بحيث لا يعترض على أى بيعٍ مستقبلى.. ويلاحظ فى هذه المرحلة ما يلى:
1 – إذا تم تقييم الأسهم بصافى حقوق الملكية يكون نصيب الفرد حوالى 25 جنيهاً فقط (أى أقل من نصف كيلو لحمة بلدى أو 1,5 كيلو لحمة برازيلى أو 50 قرص طعمية بالسمسم فى حالة ثبات الأسعار حتى استلام الصك) أما إذا احتسبت الصكوك على أساس القيمة الاسمية فستتضاعف قيمة الصك حوالى 10 مرات ويكون حوالى 250 جنيهاً (وهو مبلغ معتبر من وجهة نظر وزير الاستثمار).
2 – ستنتقل ملكية هذه الصكوك خلال فترة قصيرة إلى عددٍ من الصهاينة الإسرائيليين أو المصريين، ودعكم من الضوابط التى يطنطنون بها .. فوفقاً لضوابطهم فإن المستثمر شارون مثلاً عندما يصل إلى شراء 5% من أسهم إحدى الشركات سيبلغ البورصة (مجرد إبلاغ للعلم) ويستمر بدون استئذان حتى 10% وهو ما سيفعله أيضاً أصدقاؤه المستثمر أولمرت والمستثمرة ليفنى والمستثمر كوهين والمستثمر عز فيصبح معهم سوياً 50% من الأسهم (إذا حدث تشابه بين الأسماء المذكورة وشخصيات واقعية فهو محض صدفة).
3 – لماذا الإصرار على من هم فوق 21 سنة فقط؟ لأنهم كاملو الأهلية الذين يستطيعون البيع فوراً دون انتظار حتى سن الرشد كغيرهم .. فالبيع السريع لهذه الصكوك هدفٌ فى حد ذاته وليس الاستحواذ عليها.
المرحلة الثانية: تقوم فيها الدولة ببيع حصصها التى احتفظت بها فى كل الشركات لمستثمرين استراتيجيين .. وتقتطع نسبة متدنية تتراوح بين 5 – 10% من عائد البيع المتدنى لصالح ما يسمى صندوق الأجيال .. وهذه المرحلة هى المسكوت عنها عمداً فى المشروع وهى الهدف الرئيس له، ولا أدرى من أين توَهم البعض أن المشروع الجديد يعنى احتفاظ الدولة بحصصها للأبد .. لم يصرح بذلك لا رئيس الوزراء ولا وزير الاستثمار ولا أمين السياسات .. والتصريحات الصادرة عنهم تتحدث عن توقف مؤقتٍ لبرنامج الخصخصة وعدم بيع أى شركة لحين التصديق على المشروع فى البرلمان والانتهاء من عملية تسليم الصكوك المجانية وهى فترة تستغرق عاماً على الأكثر .. ولا يوجد تصريح أو ضمان بعدم استمرار الدولة فى بيع الأصول التى فى حوزتها (مع أننا تعودنا أن التصريحات والضمانات لا تضمن شيئاً). وتردد فى جنبات الحزب أن مدة هذه المرحلة 18 شهراً (وهو ما يتطابق مع ما كان يردده الوزير فى فى بداية وزارته من أن شركات قطاع الأعمال كلها يمكن بيعها فى 18 شهراً فقط).
المرحلة الثالثة: سيتم فيها العبث بأصولٍ لم تخطر على قلب مصرىٍ من قبل .. صحيح أن وزير الاستثمار نفى أن تكون مسودة المشروع قد تضمنتها (وهو صادقٌ فى ذلك لأن المشروع يتحدث عن شركات قطاع الأعمال المتبقية فقط) .. ولكن الفكرة تم تداولها فى اجتماعات الحزب الوطنى فى سياق الكلام عن ضرورة توسيع تعريف الأصول المملوكة للدولة بحيث تشمل كافة الأصول غير المستغلة جيداً مثل نهر النيل وشواطئ البحرين وبحيرة ناصر والآثار .. والواقع أن الأمر لا يحتاج إلى تشريعٍ جديد لبيع ما هو خارج شركات قطاع الأعمال، فقد تم بالفعل بيع بنوك وأراضٍ وشركات بترول خارج قطاع الأعمال العام خلال وزارة الفكر الجديد وفى ظل التشريعات الحالية .. وما دامت ألسنة الشلة قد تجرأت ولاكت بسهولة بعض الأصول التى كنا نظنها مقدسة، فلا غرابة بعد ذلك أن يتم بيع ما هو أقل قدسية كالسكك الحديدية وقناة السويس ومحافظة المنوفية مثلاً !
المرحلة الرابعة: وهى آتيةٌ لا محالة ولكن توقيتها فى علم الله وبإرادة الشعب وفيها يسترد الشعب كل هذه الأصول مرةً أخرى بعد أن تعود مصر لأصحابها الحقيقيين0

خلى بالك أنا عارف كل شيئ عنك يا حلو صح

Sign by اللول الحضراوي - Get Your Free Sign