الخميس، 6 نوفمبر 2008

أدعوكم للعصيان

شوقي عقل

والدعوة من المستشار طارق البشري، وجهها إلى الأمة منذ ما يقرب من الأربع سنوات، والمدعو شعب يائس بائس منتهكة حقوقه لا كرامة له ولا أمان، والنتيجة أن مصر أصبحت بالفعل، الآن وبعد تلك المدة، في حالة عصيان مدني في كل مكان تقريبا، لكنه عصيان عاجز عن إحداث التغيير المطلوب، بلغة العسكر(محلك سر).
لم تعد المشكلة في أن يدرك البشر المعذبون مدى فساد الحكم، مدى القهر والهوان الذي يلاقونه، السيدة الحامل التي ركلها ضابط الشرطة حتى قتلها مثال حي لما تعانيه مصر، قسوة ولامبالاة واحتقار لم يحدث من قبل إلا في أشد عصور البربرية والانحطاط، فعل من أفعال جنود الدلاة المعروفين بكونهم أشد جنود الانكشارية قسوة وانتهاكا لكل القيم الإنسانية، لم تعد المسألة الآن قضية هذه المرأة الحامل أو الرجل الملقى به من أعلى أو ضحايا العبارة أو الدويقة، إنها قضية شعب يريد الخلاص والحرية من نظام فاسد مستبد. لن تحل القضية بعقاب الضابط القاتل أو صاحب العبارة القاتل أو المستمر القاتل، إنه نظام قاتل برمته، لا بديل سوى العمل على إزاحته وإبداله بنظام ترتضيه الأمة، وفي مصر دائما من هم جديرين بقيادتها ورفع شأنها.
يتعامل النظام مع الأمة تعامل قائد عسكري مع ميدان المعركة، لم يبالي رومل أو مونتغمري بقذائف الكلمات أو النقد الموجه له من الطرف الآخر، ما يهمه هو ما يملكه العدو من تجهيزات وجنود وعتاد، بالمثل لايبالي النظام القائم بكل تلك الإدانات وكل هذه المعارضة، الحسبة بسيطة: إنه يمتلك الآلة العسكرية والأمنية شديدة الوطأة والثقل، إنها متغلغلة في كل أرجاء الأمة، وفي المقابل لا تملك الأمة إلا الكلمة وسيلة للاحتجاج والرفض. لكن الكلمة باتت لا تفعل شيئا بعد أن تشبع الناس بها، إنهم يبحثون عن الخطوة التالية، عن طريق الخلاص. إن النظام يدفع الجماهير إلى الانشغال بالمعارك الجانبية، فيشعل معارك قضائية وقانونية ودينية وأخلاقية لا نهاية لها، ويدفع مرتزقته ومنتفعيه وصبيانه وألسنته المؤجرة وأجهزة إعلامه إلى إثارة تلك القضايا، ما أن تنتهي الواحدة حتى تبدأ الأخرى، إنه يضع قوى المعارضة في حالة دفاع دائم عن النفس، آخرها محاكمة قادة الصحف المعارضة.
لم يعد اقتناع الملايين من البشر بضرورة تبديل النظام القائم هو المشكلة. المشكلة الأساسية تكمن في ضم الصفوف وتبيان طريق الخلاص، إننا إزاء حالة شعب بائس معذب يقف أمام جلاديه ضعيفا مشتتا لا يجد وسيلة لتجميع صفوفه للقضاء على ناهبيه. نفس الحالة واجهت غاندي حين بدأ نضاله لتحرير القارة الهندية من الاستعمار، قال تلميذه وزميل كفاحه نهرو( لقد أعطى غاندي سلاحا للشعب). كان سلاح غاندي بسيطا مسالما: مقاطعة البضائع، صنع الملح، اللاعنف في مواجهة عنف الامبراطورية، والأهم: عدم إطاعة الحاكم ليصبح بلا حول وتفريغ سلطته من محتواها بعدم الطاعة. وانتهى الكفاح السلمي بهزيمة الامبراطورية البريطانية وأفول شمسها بعد ضياع درة تاجها.
دعا طارق البشري الأمة إلى العصيان، أوضح أنه يدعو إلى عصيان سلمي لا يرفع في وجه الحاكم وأجهزة قمعه إصبعا، ذكر بقولة غاندي العظيمة ان الحاكم عندما يواجه الحركة الشعبية السلمية بالعنف يكون كمن يضرب الماء بسيفه ليقطعه!
يذكر طارق البشري أيضا، وهو رجل القانون المتمرس، أن العمل على إعادة الدولة إلى صائب معناها وإلى وظائفها الحقيقية ممثلة للجماعة الوطنية ليس عصيانا لمن قام بهذا العمل، العاصون هم من تحولت الدولة على أيديهم إلى كونها شأنا خاصا لهم ولذويهم، لكنه لم يشرح كيف يمكن أن تتحول تلك الكلمات وتلك الدعوة إلى فعل وحقيقة على أرض الواقع، ولا أعتقد أن ذلك يقع ضمن مهامه كمفكر وكمؤرخ يستشرف المستقبل بمعرفة عميقة للتاريخ والآليات المحركة للواقع.
قدم شعب مصر الحل، حين تساءل القصر والمعتمد السامي البريطاني عن مشروعية المطالب التي تقدم بها سعد وصحبه، قامت في مصر حركة شعبية لجمع التوقيعات على تفويض لسعد ومن معه لنيل مطالب الأمة، نظم الشعب نفسه وأفرز تنظيماته وجمع العرائض وانتصر لقيادته ومطالبه.
في مقالي السابق بتاريخ 9/10 دعوت إلى أن يقوم وفد من بضع أفراد من شيوخ وحكماء الأمة وليكن عشرة أفراد مثلا، بتقديم مطالب الأمة إلى القصر، ووضعت تصورا أوليا لما يمكن أن تكون عليه تلك المطالب، إنها مطالب حد أدنى لا يمكن أن يختلف عليها أحد، لكن تكمن المشكلة في تفعيلها وتطبيقها. يواكب حركة هذا الوفد حملة لجمع التوقيعات يقوم بها القيادات الشعبية التي ظهرت إلى سطح العمل السياسي والنقابي في مصر خلال السنوات الماضية. إن بضع شباب صغار السن استطاعوا أن يدعوا الآمة لإضراب عام، وهو ما تحقق بالفعل ووضع النظام في حرج بالغ، لم يجد له مخرجا إلا بالقبض على فتاة مسالمة من منزلها ثم عاد للإفراج عنها حين تبين أنه أصبح أضحوكة بجبروته أمام دموع الأم والفتاة. استطاع هؤلاء الشباب أن يشكلوا قوة عمل شعبي فريدة من نوعها تستند إلى جهاز إعلامهم المبتكر، إنهم شباب الفيس بوك.
لن تعدم مصر وسيلة للتعبير عن نفسها، في كل يوم سيجد الأمن نفسه مطالبا بسد ثغرة جديدة يفتحها رجال هذه الأمة ونساؤها وشبابها وبناتها، ثغرة تتسع بقوة إيمانهم وتصميمهم على إزاحة الطاغوت، لينفذوا منها إلى يوم الخلاص.

خلى بالك أنا عارف كل شيئ عنك يا حلو صح

Sign by اللول الحضراوي - Get Your Free Sign