الخميس، 6 نوفمبر 2008

الحزب الوطني والعبيد بالطبع


لم يحمل مؤتمر حزب الحكومة الذي انعقد مؤخرا أي جديد يذكر، ولولا تسخير النظام لوسائل الإعلام المملوكة للشعب، من قنوات تلفزيونية أرضية وفضائية وراديو ومؤسسات صحفية وإعلانات فرضوها بالسحت وحكم الأمر الواقع لفرض تغطية إعلامية عن وقائع المؤتمرعلى الناس كانت في مجملها سخيفة ومملة وكلام كرر ومعاد، لولا ذلك لما شعر أحد في مصر بهم.
متابعتي لبعض أنشطة المؤتمر جعلتني أتذكر ما قاله الفيلسوف اليوناني أرسطو وبعد نظره في معرض حديثه عن الحكم الصالح، حيث وصف فئة من الناس بأنهم "العبيد بالطبع" وهو وصف دقيق وجدته في الهتيفة وكمالة العدد الذين يجري حشدهم في هذه المؤتمرات، ممن لا يعنيهم في شيء مسئوليتهم عن الوضع المتردي والنفق المظلم الذي أدخلوا فيه البلاد، وكل همهم هو التسابق ليكونوا من المقربين من كل جالس على كرسي السلطة أيا كان مذهبه السياسي أو توجهه الفكري أو مشروعه الاقتصادي، وغاية ما يريده أحدهم أن يلوح بيديه عندما تقترب منه كاميرا التليفزيون ليثبت لمن حوله أنه من المقربين، في مشاهد ساذجة تشي بالحقيقة.
فهولاء هم من رقصوا لعبد الناصر ثم سبحوا بحمد السادات وأخيرا هم من يهتفون باسم مبارك .. لا فرق عندهم إن كان التنظيم السياسي يسمى هيئة التحرير أو المؤتمر القومي أو الاتحاد الاشتراكي أو منبر الوسط أو حزب مصر أو الحزب الوطني، فالمسميات لا تعنيهم فهم لا يعرفون إلا حزب الحكومة، والاقتراب من شلة السلطة، وشعارهم في ذلك المثل القائل (إذا نزلت بلد وجدتهم يعبدون العجل أجمع الحشائش وأطعمه) هذه هي التركيبة النفسية والذهنية والفكرية لطبقة العبيد بالطبع الذين يتسلطون على مصر الآن.
ومع ذلك فما يجري اليوم في مصر هو غير مسبوق على الإطلاق، فلم يجرؤ حاكم من قبل مهما كان درجة طغيانه باستباحة مصر كما هي مستباحة اليوم، وبينما يهتف هتيفة حزب السلطة للطغيان، كنت أتمنى أن يخرج رجل واحد منهم ليرد على ما أثارته الصحافة من وقائع فساد فاحشة فاقت كل ما يمكن تخيله، فعندما يقال أن السيد محمود الجمال صهر جمال مبارك يمتلك 32 ألف فدان على طريق مصر إسكندرية الصحراوي تصل قيمتها السعرية لـ 14 مليار جنيه!! بينما يملك صهر النجل الأكبر علاء مبارك مجدي راسخ 2250 فدان على نفس الطريق قيمتها 2 مليار جنيه، وهذه مجرد عينة فقط من ممتلكات هؤلاء الديناصورات المتعددة، التي ما كان لهم الاستحواذ عليها بدون غطاء من رأس النظام الذي أفرز عشرات المليارديرات ممن وضعوا أيديهم على مقدرات مصر وأراضيها وثروتها فاغتنوا وأفقروا الشعب الذي يعيش الملايين من أبنائه في القبور والعشوائيات.
وبدلا من ذلك جمع المؤتمر الآلاف ممن فازوا في الانتخابات المحلية الأخيرة بالتزوير الفاحش الذي فاق كل أشكال التزوير السابقة والذي وصل لحد الاستخفاف بأي قانون أو نظام أو مشروعية قانونية، فقد تجاهل النظام حوالي سبعة آلاف حكم قضائي صدرت لصالح مرشحين من المعارضة من بينها عشرات الأحكام تقضي ببطلان إجراء الانتخابات وكلها واجبة النفاذ، ومع ذلك داس مبارك على الشرعية القانونية، ليكرس الطغيان واحتقار القانون وليعلن رسميا مسئوليته عن اختطاف مصر.
واليوم يعلنون عن نيتهم في تغيير النظام الانتخابي الفردي في انتخابات مجلس الشعب، وتغيير قانون مباشرة الحقوق السياسية لتكون الانتخابات القادمة بالقائمة النسبية بين الأحزاب التي يتحكمون هم في تأسيسها ويمزقون أوصالها، بينما يمنعون تأسيس الأحزاب الحقيقة التي تعبر عن الشعب، وتصاعدت التكهنات بقرب حل مجلس الشعب، لتجفيف منابع المعارضة ولا سيما المستقلون منهم والإخوان المسلمين على وجه خاص، لتخلوا لهم الساحة السياسية بالكامل، فلا يستمعون إلا لصدى أصواتهم بعد أن يعزلون الشعب بالكلية عن الممارسة السياسية.
الحزب الوطني لم يعد لديه ما يقدمه لمصر، بل بات هو مشكلة مصر، التي تكبلها عن الإنطلاق والتغيير وحكم القانون والشفافية السياسية ومحاربة الفساد والدفاع عن مصالح الشعب واستعادة مكانة مصر ودورها، وبالمجمل بات الحزب الوطني هو مصيبة مصر التي تحتاج لإنقاذها منه.مصر لا تحتاج للهتيفة والمنافقين ومن يحشون للعجل ويطعموه،من العبيد بالطبع، مصر تحتاج لرجال وشباب أحرار يعيدون لمصر دورها ويقيمون العدل فيها وتكافؤ الفرص بين ابنائها، وعدالة توزيع الثروة، والتنمية الاقتصادية والبشرية، وإغلاق محابس الفساد والتربح من المال العام، وإقامة نظام دستوري وقانوني يعيد الاعتبار لدولة القانون، ولا يسمح ببروز الطغاة والديكتاتوريين وأنصاف الآلهة.
العالم يتغير من حولنا ويشهد دينامكية كبيرة قد تدفع لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة برئيس جديد شاب من أصول أفريقية لم يكن بكل المقاييس ممكنا قبل أشهر قليلة تخيل إمكانية وصوله لسدة الرئاسة في أمريكا، ولكنها الديمقراطية وحكم القانون الذي لم يعد ممكنا أن يفرق بين الناس ويسمح لهذا ويمنع ذاك، بينما خطابات المؤتمرين في حزب الحكومة لم تخفي مشاريعها الإقصائية ومحاولاتها الفاشية في قمع المعارضة وطردها كما فعلوا مؤخرا في انتخابات الشورى والمحليات بأساليب التزوير والبلطجة واختطاف البلد.
صفقوا كثيرا أيها "العبيد بالطبع" ومجدوا الفساد والطغيان والتزوير فمثلكم اعتاد ذلك ورضى بفتات مغانم السلطة طالما ظل قريبا من أسياده مستظلا بطغيانهم أيا كانت هوياتهم، ولكن لن يطول بكم المقام لأن مصر بدأت تفقد صبرها عليكم وعلى إفسادكم وعلى تماديكم في النفاق والتطبيل وعلى تضييعكم لمصالح الشعب وحقوق الناس.
أسامة رشدي
osama@saveegyptfron

خلى بالك أنا عارف كل شيئ عنك يا حلو صح

Sign by اللول الحضراوي - Get Your Free Sign